الاثنين، ٢٥ فبراير ٢٠٠٨

نقلا عن مدونة سيناء حيث انا

ثقافة العنف في سيناء : رائحة البارود مرت من هنا
كتبت بتاريخ فبراير 25, 2008 دونه alanany
تنويه هام : هذا المقال رفضت نشره جريدة البديل المصرية والمحسوبة علي الاتجاه اليساري دون تعليق أو حتى رد لائق
ثقافة العنف في سيناء : رائحة البارود مرت من هنا

أشرف العناني
شاعر وكاتب حر

لصيد الذئاب لدي أبناء سيناء أسرار ، وأهم هذه الأسرار هو معرفة اتجاه الريح ، ويقولون في ذلك أنك إذا أردت أن تصيد الذئب فعليك أن تأتي له من عكس اتجاه الريح ، لأنك إذا أتيت من نفس اتجاه الريح فسيتعرف بحاسة الشم الهائلة لديه علي رائحتك ورائحة بارودك ، ويتحصن بعيداً عنك في مكان أسهل ما فيه هو إمكانية الاختفاء ..
لا أحد هناك في كل من يتابع تصعيد دراما العنف في سيناء لديه حاسة شم قوية ليتعرف علي المصدر الذي تأتي منه رائحة البارود، هم أساساً ليست لديهم دراية بفقه الروائح ولا اتجاه الريح ، لوثتهم المدن وانتهي الأمر ، المدهش في الأمر هو أنهم مع كل دورة من دورات هذا العنف يرتكبون نفس الأخطاء ، هم معذورون بكل تأكيد ، إذ تظل الاستجابات التلقائية هي الممكن الوحيد في ظل جهل تام بطبيعة المكان والإنسان في بقعة لها من الخصوصية النفسية والعرقية والثقافية ما يجعلها بكل تأكيد مختلفة عن أي مكان في مصر ..

نفس الأساليب تقريبا ، الصورة الكربونية لردود الفعل علي حالة عنف عائلي في ريف مصر ومدنها تتم وبنفس التفاصيل كرد فعل لأي دورة عنف في سيناء ، كل ذلك دون الالتفات للاختلاف الهائل بين طبيعة الشخصية الإنسانية هنا ، وطبيعتها هناك ، بين الثقافية الصحراوية هنا ، وبين الثقافة النهرية هناك ، وحدها أجهزة المخابرات ونظراً لاحتكاكها التاريخي مع أبناء سيناء تتفهم بعض الشيء ذلك ، وان كان تدخلها محدود وغالباً ما يبوء بالفشل نتيجة أخطاء غيرها من الأجهزة في الغالب ، أنا هنا لا أروج لشيء سوي لضرورة الفهم ، فهم الاختلاف .. وان كنت آمل أن يكون هذا الفهم من المجتمع المدني قبل الأمني ..

إنسان سيناء الذي شكلت الحروب وويلاتها جزءا أصيلا من تكوينه ، تكريس الخوف وعدم الإحساس المطلق بالأمان ، الحروب فعلت فعلها ، ذهبت الحروب ولكنها حفرت في الذاكرة الجماعية لدي أبناء سيناء هذا الإحساس الذي كان ينتظر بفرح أن يذهب بغير رجعة بعد عودة سيناء إلي مصر ، لكن اتهامات التخوين والعزل كانت تنتظره ، بأم عيني كنت أراهم في نقاط التفتيش يوجهون أصابع الاتهام لأي بدوي فقط لكون ملامحه تشير إلي أنه بدوي ، أو أن ملابسه تشير إلي بداوته ، بعض أصدقائي المثقفين من البدو كانوا غالباً ما يكررون علي مسامعي حكاية اللوحة الجدارية في معبد سرابيط الخادم التي تمثل فرعون وقد أمسك بشعر رأس بدوي ويقرعه بالمقرعة لتأديبه ، ويؤكدون لي بأن كراهية البدو جزء أصيل في الثقافة الجماعية المصرية ..

إذن تكرس الخوف وعدم الإحساس بالأمان والعزل عن النسيج المصري ، هم محرومون من التمثيل في مناصب عليا في الشرطة المصرية ، ممنوعون أن يصبحوا ضباطاً أو حتى أمناء شرطة ، في الجيش الأمر أكثر قسوة
فالبعض يعتقد أن حرمان أبناء سيناء من أداء الخدمة العسكرية يسعد الناس ، ولكن الحقيقة الأكثر قسوة هي تكريس الغزل ، تكريس القلق كضرورة حتمية لكل تلك الخلفيات ..

الذين اندهشوا من انتشار السلاح بشكل ملفت في سيناء مؤخراً لم يفهموا الدوافع ، لم يتفهموا المبررات ، القلق وعدم الإحساس بالأمان ليس فقط نتيجة لما سبق وإنما هناك مخاوف بعد لم تزل من الكيان الإسرائيلي ، وما يحدث في المشهد السياسي مع الفلسطينيين يعظم من تلك المخاوف ، خصوصاً في ظل إيمانهم أن احتمالية أن تعاود إسرائيل وضع قدمها في سيناء غير مستبعده لذا لا تستغرب أن يرفع بعضهم شعار سيناء لم تتحرر بعد ، هم يعتقدون أنهم ربما يذوقوا ما يذوقه الفلسطينيون علي يد إسرائيل ، يدركون أنه لو حدث ذلك سيكونون وحدهم من يتجرع وحشية إسرائيل في حين سيقعد العرب في مقاعد المتفرجين ، تماما كما يحدث في المشهد الفلسطيني ،

في المشهد تبدو خلفيات أخري أكثر مرارة ، أعني الجهل التام بثقافة البدو وأولويات وجوده ، قد تنجح بالفعل في اصطياد بدوي إذا أنت احتجزت عندك أهل بيته ، أمه أو أخته أو ابنته ، بكل تأكيد سيأتيك طواعية ويسلم لك رقبته ، سيتجاهل كل الاعتبارات طالما وصل الأمر إلي الشرف ، لكن انتظر قليلا فما اعتقدته أنت طريقا يسيرا ومختصرا وأصررت علي تكراره توفيرا لطاقتك هو كارثة لن تدرك أثرها إلا في لحظة لا تتوقعها بكل تأكيد ، الإبل في الصحراء التي تعلمت الصبر واختزان ردود أفعالها للحظة المناسبة علمت البدوي ذلك ، فلا تعتقد أن الصحراوي صاحب ذاكرة هزيلة ، هو لا ينسي وذاكرته أعز ما لديه ، أهم من هذا ليس من الممكن تغيير قناعاته ، فما دمت قد وضعت نفسك في خانة الخصم فتأكد أنك ستظل هكذا في قناعاته ، حني وان ادعي لك غير ذلك كآلية من آليات التقية الذي أعتقد أن الشيعة ورثوها من المجتمع الصحراوي الذي بالفعل علينا إعادة ترتيب أوراقنا لنؤسس ومن جديد فهماً يليق باختلافه

ليست هناك تعليقات: